إنَّ الأحاديث النبوية والآثار المحمدية، أصل العلوم بعد القرآن، وقاعدة الشريعة وأركان الإيمان، ومن أراد اللَّه تعالى به الخير، وحفظه من السوء والضَّيْر، وفَّقه لجمعها وتحريرها، وأرشده لتفهيمها وتقريرها، مخلصًا في ذلك النية والعمل، متجنبًا طريق الخطأ والزلل.
وكان ممن اعتنى بهذا الفن أعظم عنايةٍ إلى أن بلغَ الغايةَ القصوى في الدِّراية والرِّوَاية، وَفَاقَ كَثِيرًا من الرجالِ: الإمام محمد بن إدريس الشافعي، حامل راية العلوم والأثر، الذي كان إمام أهل زمانه، وصار المعوَّل في حفظ السنة النبوية وغيرها عليه، مع ما رزقه اللَّه من فرط الذكاء والتدقيق، ومن حاذق التعبير والتحقيق، فليس لأحد بعده إلى درجته وصول، ولا للقلب إلى كلام غيره مِنْ أهل عصره قبول، سارت بفضائله الرُّكبان، وشُدَّت إليه الرِّحالُ مِنْ أقطار البلدان، حتى صار المعول عليه، والمرجع إليه في جميع العلوم والأحكام.
وهذهِ الترجمةُ التي تَضمُّ بينَ دَفَّتَيها نبذٌ من سيرة الإمامِ الشافعي، كَتَبَها عالمٌ كبير، ومصنفٌ ناقد، انتقى بعنايةٍ ما أراد من ترجمةِ الإمام، فطوى الكثير من الأخبار والحكايات، وعزم ألَّا يذكر إلا ما ثبت عنده بصحيحِ الإسناد، فصح له غرضه، وطاب له مقصده رحمه الله.